بوادر الصراع بين العبادي وسليماني.. هل يضع حدًّا للنفوذ الإيراني في العراق؟

الثلاثاء 25/أغسطس/2015 - 03:17 م
طباعة بوادر الصراع بين
 
لا أحد يستطيع أن ينكر النفوذ والتواجد القوي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق، ولا التواجد القوي والملحوظ لرجلها الأبرز في العراق قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن في نفس الوقت يشكل تواجد رجل إيران خطرًا بدأ في التزايد على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي لا يرفض وجوده، ولكنه يخشى من نفوذه الذي سوف يؤثر بلا شك على مصداقية الاصلاحات التي يقوم بها في العراق، وشعاراته التي يرفعها دائمًا ضد الطائفية والتدخل الخارجي؛ مما يشكل بداية صدام وشيك بين الطرفين، وهذا ما كشفت عنه مصادر عراقية حيث فوجئ العبادي، أثناء اجتماعِ الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي برئاسة إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي الأسبق، بوجود قائد فيلق القدس بمشاركة كل من نائب رئيس الجمهورية المقال نوري المالكي، وزعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، وزعيم منظمة بدر هادي العامري، وممثل عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
بوادر الصراع بين
 هذه المشاركة من سليماني جاءت بتكليف من القيادة الإيرانية بمهمة التأكد من "عدم محاكمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أو فتح أي ملف ضده يمكن أن يؤدي في النهاية، ليس إلى محاكمة شخص، بل إلى محاكمة النموذج الشيعي في الحكم وخلال الاجتماع، وتحدّث سليماني عن إصلاحات العبادي بطريقة توحي بعدم رضاه، لا سيما تلك التي يمكن أن تشكل مساسًا بالمالكي، ليعترض عليه العبادي بقوّة، بعد أن وجه له كلاماً قاسياً وصل إلى حد طرده من الاجتماع بعد أن طرح سليماني رؤيته؛ ما دفع بسليماني إلى الخروج من الاجتماع غاضبًا، ويُعد هذا هو الخلاف الأول من نوعه الذي يظهر بين العبادي وسليماني. 
العبادي أكد في الاجتماع مع قادة التحالف الوطني أيضًا على رفض الطروح الإيرانية وبدء معركة للتصدي لمخططات المالكي وحلفائه في التحالف الوطني التي كان من أهم نتائجها فشل وسحب ميليشيات العصائب من ساحات التظاهر، بعد محاولة صغيرة فاشلة لزج 150 شخصاً لاحتلال ساحة التحرير في بغداد، ما لبثوا أن تم سحبهم تحت تهديد الجيش والقوى الأمنية.
بوادر الصراع بين
قاسم سليماني دائمًا ما يشكل وجوده خطرًا على العراق ونسيجها العرقي والديني، ففي زيارته الأخيرة  للعراق تجول في مرقد الإمام الحسين في مدينة كربلاء العراقية، وفي السوق الشعبي في المدينة، برفقة مساعد قائد ميليشيات "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، وهو ما رفع من مستوى الاحتقان في الساحة السياسة والأوساط الشعبية العراقية ودفع مصادر عراقية للتكهن بأن وجود سليماني في كربلاء هدفه إبلاغ معتمدي المرجع الشيعي، علي السيستاني، بضرورة العمل على تهدئة الشارع الشيعي، الذي يطالب بمحاكمة نوري المالكي والمسئولين السابقين في حكومته، وأثارت هذه الزيارة أيضًا تساؤلات في الأوساط السياسية في بغداد عن الهدف من وراء هذه الخطوة، التي تأتي في وقت تسعى فيه الحكومة العراقية إلى تقديم حزم إصلاحية وطمأنة الشارع العراقي، وخصوصًا في بغداد وعدد من محافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية السكانية الشيعية.
بوادر الصراع بين
وهو نفس الأمر الذي حاول فعله من قبل أثناء عمليّة تحرير تكريت؛ حيث بدأت الماكينة الإعلاميّة التابعة للفصائل الشيعية الموالية لإيران تبث دعايات مكثّفة تظهر أن من يقود المعركة هو قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومعاونيه في الحشد الشعبي، وعلى رأسهم قائد منظمة بدر هادي العامري وقائد عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي وغيرهم، ثم إكمال المشهد بظهور رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أمام عدسات التصوير على تخوم تكريت يؤمّ المصلين وخلفه عدد من قادة الحشد الشعبي والعسكريين، ولكن العبادي أدرك وقتها خطورة هذا المشهد الطائفي الذي يمكن أن يهدّد مسعاه الوطني بحشد جميع مكونات الشعب العراقي وطوائفه؛ من أجل محاربة الإرهاب ودحره، وأن تكرار هذا المشهد ومن شأنه أن يهدّد مستقبل المشروع الوطني لرئيس وزراء العراق الذي أعلن عنه فور توليه منصبه منتصف العام الماضي وهو قيام الشراكة الوطنية وإزالة الإنقسامات؛ لأن تلك الممارسات سوف تؤدي حتمًا إلى زيادة روح العصبيات والتطرّف في صفوف الشعب، فتحرّك كرئيس للوزراء وكقائد أعلى للقوات المسلّحة بسرعة وفعالية؛ من أجل تطويق تلك الظواهر التي تهدّد وحدة بلده، فحضر إلى تكريت مع وزير دفاعه خالد العبيدي وبقي على الجبهة، وبعد أن أثنى على قوات الحشد الشعبي وبطولاتهم في التصدي للإرهابيين أمرهم بالانسحاب لمواقع خلفية لصالح الجيش العراقي والقوى الأمنية الوطنيّة التي سوف تدخل وحداتها تكريت دون غيرها لتبعث الاطمئنان في النفوس فلا تنشب تجاوزات ولا يدعي أحد أن ممارسات طائفيّة وقعت كما حدث سابقًا، ثم طلب العبادي من قوات التحالف الغربي أن تقوم طائراته الحربيّة بقصف المواقع التي يتحصّن بها عناصر داعش وأعوانهم في المدينة، وهو ما تم بالفعل من دون وجود الجنرال سليماني ومعاونيه من مشايخ الحشد.
بوادر الصراع بين
وشدد العبادي وقتها على أن السياسة الخارجية تعد الجزء الثاني من الحرب إذ أن العراق عانى من سياسات النظام المباد أولا، ومن الفهم الخاطئ لبعض الدول مبينًا أن هناك صراعًا واختلافًا إقليميًّا تمكنت داعش بسببه من الدخول إلى سوريا والعراق، وأن هناك حملة كبيرة ضدنا، والبعض يريد استقطابنا لمحور معين "لكن العراقيين لا يستقطبون إنما هم من يقومون باستقطاب الآخرين من أجل مصلحة أبنائنا أن من يقدم مساعدات للعراق في حربه نقبلها من أجل مصلحة شعبنا، وأن السيادة العراقية محترمة ومصانة، إذ لا توجد آية قوات برية غريبة على الأرض العراقية، ولدينا مستشارون من جميع الدول، وأننا في الجانب السياسي لا يوجد لدينا شيء سري أو نخفيه، فنحن واضحون ونتعامل بالعلن مع أبناء شعبنا.
بوادر الصراع بين
التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر دخل على خط الصراع بين العبادي وسليماني؛ حيث رفض إملاءات قائد فيلق القدس ودعمه لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي ومخططات محاولة الرجوع لمنصبه في ولاية ثالثة، أو محاولة فريق المالكي تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي ثم فرض المالكي كرئيس مطلق، ولكن إيران هددت الصدر برفع الغطاء عنه والبدء بتحريك قضايا قديمة ضده ولا سيما مقتل عبد المجيد الخوئي في الأيام الأولى للغزو الأمريكي للعراق في 2003، إلا أن موقف التيار الصدري لا يزال صلباً حيث قال صلاح العبيدي المتحدث باسم التيار: إن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا أبناء الشعب العراقي عموماً وأبناء الخط الصدري خصوصاً إلى ضرورة الخروج والمشاركة في تظاهرة مليونية لسكنة بغداد حصراً في العاصمة الجمعة المقبلة، وأن تكون مطالب المتظاهرين موحدة ومطالبة بالإصلاح الشامل للقضاء، وأن المتظاهرين مطالبون برفع لافتات تنبذ الطائفية وضرورة تنفيذ حزمة الإصلاحات الشاملة والمحاسبة الفورية لسارقي المال العام، وأن على المتظاهرين المطالبة بمحاسبة القادة الفاشلين وإحالتهم إلى القضاء
بوادر الصراع بين
مواجهة العبادي لسليماني تحمل مؤشرات إلى أن رئيس الحكومة العراقية أسقط القرار الإيراني من العوامل المؤثرة في خيارات إصلاحاته المستقبلية، وانفصل تماماً في توجهاته عن باقي أطراف التحالف الشيعي وموقفهم من التظاهرات الحالية، وأن رئيس الحكومة العراقية اعترض على تدخل أطراف في التحالف الشيعي في محاولتهم السيطرة على التظاهرات لإحداث انقلاب برغبة إيرانية وتحميله المسئولية عما آلت إليه الأوضاع المأساوية في العراق، وفي المقابل يؤكد هذا الاجتماع للتحالف الوطني والمواجهة بين العبادي وسليماني أن إيران نزلت بكل ثقلها لدعم الموالين لها في العراق وإنقاذ مشروعها الذي ينهار.

شارك